شرح حديث : إن أحبكم إلي أحسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا السؤال: قال رسول الله"إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وإن أبغضكم إلي المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبراء العنت " الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة أرجو شرح الحديث و ما المقصود منه ، وهل هو صحيح؟
الجواب :
الحمد لله
هذا الحديث رواه الطبراني في "الأوسط" (7697) والخطيب في "تاريخ بغداد (5 /263) وابن عدي في "الكامل" (4/63) وابن بشران في "الأمالي" (2/44) وابن أبي الدنيا في "الصمت" (ص154) والثعلبي في "تفسيره" (ص2343) كلهم من طريق صالح المري عن سعيد الجريري عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحبكم إلي أحسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ، وأبغضكم إلى الله المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبرآء العنت )
وصالح المري ضعيف .
ولكن للحديث شواهد كثيرة :
- منها ما رواه الطبراني في "الصغير" (605) و"الأوسط" (4422) والبيهقي في "الشعب" (7983) وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" (ص 217) من طريق يعقوب بن أبي عباد القلزمي حدثنا محمد بن عيينة عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أكمل الناس إيمانا أحاسنهم أخلاقا الموطئون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف )
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" وفي " المجمع " ( 8 / 21 ) . " رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه يعقوب
بن أبي عباد القلزمي ولم أعرفه ".
قلت : ثم عرفته وهو يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد ، نسب إلى جده . قال ابن أبي حاتم
( 4 / 203 ) " محله الصدق ، لا بأس به " ووثقه السمعاني ، فثبت الإسناد والحمد لله .
وقد جاء مجموع الحديث في أحاديث متفرقة " انتهى .
"السلسلة الصحيحة" (2 /250)
- ومن شواهده ما رواه ابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (456) وابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول" (ص 226) من طريق يونس بن محمد ثنا أبو أويس عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعا به نحوه .
- ومنها ما رواه الطبراني في "مكارم الأخلاق" (ص9) من طريق حبان بن هلال ، ثنا مبارك بن فضالة ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر به مرفوعا .
- ومنها ما رواه معمر في "جامعه" (761) ومن طريقه عبد الرزاق في "مصنفه" (20153) عن هارون بن رئاب مرسلا .
- ومنها ما رواه أحمد (17278) عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي فِي الْآخِرَةِ مَسَاوِيكُمْ أَخْلَاقًا ، الثَّرْثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ )
- ومنها ما رواه أحمد أيضا (27052) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ ) ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : ( الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ )
ومعنى الحديث :
يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أحب الناس إليه وأقربهم منه مجلسا في الآخرة أحاسنهم أخلاقا ، ثم وصفهم بأنهم ( الموطؤون أكنافا ) وهم الذين جوانبهم وطيئة لينة يتمكن فيها من يصاحبهم ولا يتأذى بهم ، فهم يفرحون بالحسنة ويتجاوزون عن السيئة ويعفو ويصفحون .
( الذين يألفون ويؤلفون ) يعني يأنسون بالناس ويأنس الناس بهم ويحبون صحبتهم ويتقربون منهم .
( وإن أبغضكم إلي المشاؤون بالنميمة ) الذين يفسدون بين الناس بنقل حديث بعضهم لبعض بغرض إيقاع الشر والفساد بينهم .
( المفرقون بين الأحبة ) بما يسعون به بينهم من الفتن والتحريش .
( الملتمسون للبرآء العنت ) وهم الذين يطلبون للبريء السالم المشقة والفساد ، يريدون أن يلطخوا المطهرين السالمين بما عافاهم الله منه من الآثام والعيوب .
وقال ابن الأثير في "النهاية" (3/580) :
" العَنَتُ : المشقَّة والفساد والهلاك والإثْم والغَلَط والخَطَأ والزِّنا كُلُّ ذلك قد جاء وأطْلِق العَنَتُ عليه . والحديث يحَتَمِل كلَّها . والْبُرآء : جمع بَرِيء وهو والعَنَت منصوبان مفعولان لِلْباغِين يقال : بَغَيْتُ فلانا خيراً وبَغيْتُك الشيءَ : طلبتُه لك وبَغيْت الشيءَ : طلبْته "
و(الثرثارون) أي الذين يكثرون الكلام تكلفا وتشدقا ، والثرثرة كثرة الكلام وترديده . و(المتفيهقون) أي الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم ويتفصحون فيه .
و(المتشدقون) الذين يتكلمون بأشداقهم ويتقعرون في مخاطبتهم .
راجع : "فيض القدير" (3 /619-620)
والمقصود من الحديث : الحث على مكارم الأخلاق ولين الجانب ، والنهي عن النميمة والسعي بين الناس بالفساد والشر ، وخاصة الأتقياء الأنقياء المسالمون الذين لا غل في قلوبهم ولا حسد ولا ضغينة .
والله أعلم .