إنها إما قرابة الدم وإما " المصالح المشتركة " وإما لقاء الشهوات.
ومن ثم فإنها – مهما تقاربت وتلاصقت – لا تصل إلى حد الالتحام!
فى كل صلة من هذه الصلات لا تذوب " الأنا " التى تقيم حاجزا بين القلب
والقلب وإن تلاقت الأجساد أو تلاقت العقول والأفكار. فكل إنسان يقيم سياجا
معينا لنفسه يتسع للحجم الذى يحس فيه " بالأنا " المشتملة عليها ذاته
ومن ثم تلتقى الذوات المختلفة وتتقارب ولكن فى حدود ذلك السياج المنصوب من
كل منهم حول " الأنا " التى يحسها بين جنبيه. ومن ثم تتنافر تلك الذوات
إذ اقتربت أكثر من اللازم ويبدأ بينها الاحتكاك!
نوع واحد من الرباط لا يحدث فيه ذلك التنافر لأنه يذيب ذلك السياج الزائف
الذى ينصبه الإنسان حول نفسه ومن ثم تظل القلوب تقترب وتقترب حتى يحدث
الالتحام.. ذلك هو رباط العقيدة! ذلك أنه ليس رباطا بين إنسان وإنسان فى
محيط الأرض وعلى علاقات الأرض ولكنه رباط فى الله بين عبد لله وعبد لله
خلا قلباهما من ذلك الكبر الظاهر أو الخفى الذى يحجز القلوب عن التقارب
والالتحام وامتلأ قلبهما بشئ آخر غير مشاغل الحس القريبة ومشاغل الأرض
المنقطعة عن السماء.
ذلك الرباط هو الذى وحد تلك القلوب حول رسول الله صل الله عليه و سلم حين
حدث اللقاء بينها فى الله فتحابت فالتحمت ثم زادها التحاما لقاؤها فى
حب رسول اللهصل الله عليه و سلم فتآخت ذلك الإخاء العجيب الذى يتحدث عنه
التاريخ!
كان الصحابة رضوان الله عليهم يسير الاثنان منهم فى الطريق فتفصل بينهما
أثناء المسير شجرة فيعودان فيسلم أحدهما على الآخر شوقا إليه من تلك
اللحظة التى فصلت بينهما فى الطريق!
وبكى أحد الصحابة حزنا لأنه فكر فى فراق رسول اللهصل الله عليه و سلم فى
الدار الآخرة وهو لا يطيق فراقه فى الدنيا فأنزل الله قوله فيه: {وَمَنْ
يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69)} [سورة النساء 4/69]. :@: